لا شيء يستطيع
أن يوقظ تلك (الجراح الغائرة)
من ( سباتها المرعب)
و يحيل هذا السبات
إلى (هجرة محققة ) ورحيل بلا عودة
كما يستطيعه القرآن
في قوله تعالى
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
(يونس : 57 )
نعم هو شفاء
شفاء لجراحات الأقدار
وشفاء لجراحات الذنوب
نعم هذه أنواع الجراح فيما أرى
أما دليلي على (جراحات القدر )
فأقرأ بقلبك:
قال تعالى
(فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ)
الله تعالى سمى الموت : مصيبة
والموت هو ( قدر محتوم )
يبقي له في القلب حسرة .. و في الروح لوعة..
وله جرح يطول اندماله
ما لم نستدركه
أما (جراحات الذنوب)
فاقرأ بقلبك ..
يقول ابن القيم : (الذنوب جراحات .. ورب جرح وقع في مقتل)
كيف لا تكون جراحات ؟!!
و من وقع فيها لا يهنأ له بال .. و لا يسكن له قلب ..
بل
و لا تُحلق له روح
نعم
لا شيء يُقيد الروح عن التحليق
كما تفعل جراحات الذنوب
قال تعالى :
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)
حسنا .. لنـتـفـِق يا أحباب
هروبنا المتكرر
من تلك (الجراح المستكنة) في الأعماق
و محاولاتنا المستميتة في إخفائها و إنكارها
هو ضرب من العبث
ومادام هذا الهروب
لا يعيننا على إيجاد (حلول جذرية)
تطفئ
ذلك (البركان الخامد) من الألم
فلا خيار أمامنا
إلا أن نصحح هذه (القناعة الانهزامية)
القناعة التي نقصدها هنا
هي أن علاج (الجراح ) التي استوطنت قلوبنا
ليس بالاكتفاء بعدم تحريك( الخناجر) التي (مازالت) عالقة
بل تحريكها بعنف
و(نزعها) أيضاً
بلسم (جراح القدر ) هو :
1- استحضار ذلك الجرح أولا
2- وعلاجه بالرضا ثانيا
يقول مصطفى السباعي في "هكذا علمتني الحياة ":
(نِعْمُ بلسم الجراح .. الإيمان بالقضاء والقدر)
اقرأ بقلبك
يقول ابن رجب في جامع العلوم و الحكم :
(الرضا : انشراح الصدر و سعته بالقضاء , و ترك تمني زوال ذلك المؤلم,
و إن و جد الإحساس بالألم ,
لكن الرضا يخففه لما يباشر القلب من روح اليقين و المعرفة,
وإذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية )
ويقول الله جل في علاه ..في أصدق وأكمل وأشمل قول :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ
وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ)
إنها آية السر
التي تهدينا مفاتيح الرضا وهما اثنان :
1- التسليم القلبي أولا
2- والنطق القولي ثانيا
في قوله تعالى
( حَسْبُنَا اللّهُ .. سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ .. إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ)
هذه الآيات الثلاث بعد تسليم القلب
هي شفاء القلب المرهق .. و سكون الروح المتألمة
حسنا
(كيف نتحكم في الألم؟) و ( السر )
(فأذا ضيق الله عليك فقل (حسبنا الله ..سيؤتينا الله من فضله.. إن إلى الله راغبون)
يكفيك ترديد آية السر وتكرار مفاتيح الرضا
لتشفى (جراح القدر)
أما جراحات الذنوب
فبلسمها الكافي .. الوافي المعافي .. الشافي
هو : أن تعود
نعم .. لا حل آخر أمامك
إلا باتخاذ (القرار الشجاع)
الذي يقضي:
بتحمل (ألم الكي) المُحرق والمؤقت
على ( ألم السقم ) المستديم
كن شجاعا
إجعل قلبك يتخلص
مما علق فيه من (نزف الماضي)
و يستمتع بما بقي
اقرأ بقلبك
في قوله تعالى
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )
أقراي هذه الآية وستخترق أعماقك
أنت بحاجة
لقراتها
من أي قارئ شئت
فقط اسمعها
وأغسل قلبك بها
هناك دعوة مفتوحة بانتظارك
(فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ)
هل تنتظر دعوة أرق من هذه ؟!
أباك لن يفعلها .. إن أسرفت في حقه
وأمك أيضا لن تفعلها
هو فقط .. الله جل في علاه
سيتركها مفتوحة لك
وأنت تعرف متى سيغلق الباب؟!
البشر قد يملون كثرة الإعتذار حتى لو صدقت
أما الله الكريم
(فلن يمل الله حتى تملوا)
(جرح الذنب) الذي في قلبك
لن يندمل بهروبك المستمر
كف عن هذا !!
عُــــدْ إلى الله
فوالله .. و تالله .. وأقسم بالله
لو لم يكن لنا في هذا الحياة من سبب
إلا أن الله هو ربنا
لكفانا لنعود
يقول إبن القيم (في القلب شعث لا يلمه إلا القرب من الله)
فالحمد لله .. أن ربنا هو ربنا
توقف
تأمل ذلك النزف المتفجر في أعماقك من ذنوبك
تأمل ذلك الضياع .. و الوحشة .. والتخبط
إن كنت تستشعر ذلك فأبشر
قوله تعالى
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
يكفيك من هذه الآية ( حرف الياء) في قوله : (يَا عِبَادِيَ)
إلهك .. ينسبك إليه في حنو
برغم إسرافك
فلا تدع جراحك تقتلك
و إن لم تستشعر تلك (الجراح النائمة)
فأنت كما قال إبن القيم في الداء والدواء
(بمنزلة السكران .. والمخدر .. والنائم .. الذي لا يشعر بالألم
فإذا إستيقظ وصحا .. أحس بالألم )
أستيقظ .. أفق.. عُد
صدقني
عدم عودتك
يعني النزف حتى الموت
و (رب جرح وقع في مقتل )
اللهم اجعل القران ربيع قلوبنا وجلاء همومنا واحزاننا
حفظكم الله ورعاكم