الشريعة لغة:
تستعمل كلمة الشريعة في اللغة ويراد بها أحد المعنين : المعنى الأول : الطريقة المستقيمة ومن ذلك قوله تعالى " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون " (3) أى جعلناك على طريقة مستقيمة وواضحة من أمر الله. المعنى الثاني : مورد الماء الجارى الذي يعده الناس لسقى دوابهم ومنه قول العرب شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء.. القانون.. والتشريع يعني إصدار القوانين.
أما تعريف الشريعة اصطلاحا:
فهي ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها المختلفة لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقاتتهم بعضهم ببعض وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
فشريعة الله هي المنهج الحق المستقيم، الذي يصون الإنسانية من الزيغ والانحراف، ويجنبها مزالق الشر، ونوازع الهوى، وهي المورد العذب الذي يشفي علتها، ويحي نفوسها، وترتوي بها عقولها، ولهذا كانت الغاية من تشريع الله استقامة الإنسان على الجادة، لينال عز الدنيا وسعادة الآخرة.
ويقول الدكتور حامد الرفاعي في كتابه (شركاء لا أوصياء)[1][2][3] أن الشريعة في الإسلام هي انتظام شؤون الحياة وتصريف مصالح الناس وإقامة العدل بينهم.. وهذا يأتي في سياق قيم الإسلام ومبادئه التي تدعوا إلى عمارة الأرض وإقامة الحياة الحرة الكريمة الآمنه... فالشريعة الإسلامية باختصار شديد هي إقامة الحياة وتحقيق مصالح العباد وهذا هو أساس شرعة الله.. وعلماء الإسلام وفقهاء الشريعة وضعوا قاعدة ذهبية تقول: "حيثما تكون المصلحة فثمّ شرع الله ". فالشريعة ملازمة لمصالح الناس وأحكامها تدور مع مصلحة الإنسان. فمصلحة الإنسان في أمنه العقلي، وفي أمنه الديني، وفي أمنه الحياتي، وفي أمنه الصحي، وفي أمنه الأخلاقي، وفي أمنه الاجتماعي، كل ذلك من مهام الشريعة ومن كليات مقاصدها الجليلة.
وعليه فإن الشريعة الإسلامية : أحكام وقواعد ونظم دين الإسلام لإقامة الحياة العادلة وتصريف مصالح الناس وأمنهم.. وهناك نوعان من القوانين في الإسلام :
االقوانين الربانية، مقدسة وثابتة.
والقوانين الاجتهادية، عرضة للتغيير والانتقاد وفقاً لمصالح الناس وتطورات الحياة.. وبناءا على ذلك فان القوانين االاجتهادية.. ينبغي أن تكون منسجمة مع القوانين الإلهية ولا تتناقض مع مقاصدها.
وخلاصة القول كما يقول الدكتور حامد الرفاعي في كتابه (شركاء لا أوصياء) أن شرعة الإسلام هي إقامة الحياة.. وتحقيق المصالح.. وإقامة العدل بين الناس، فمن يحقق هذه الكليات أو يقترب منها فهو على شرعة الله بصرف النظر عن هويته ونوع انتمائه فالله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على الأعمال والنيات ولا يحاسبهم على نوع الهويات والانتماءات، لذا لابد أن يدرك الناس (من المسلمين وغير المسلمين) أن شريعة الإسلام ذات دلالة موسوعية تتسع لكل جهد إيجابي يبذل لعمارة الأرض ويستثمر مكنوناتها لصالح حياة الإنسان وكرامته، وتتسع لكل ما يحقق للإنسان صحته وغذاءه وأمنه واستقراره، وتتسع لكل ما يعزز تنمية آمنة وتقدم علمي نافع وارتقاء حضاري راشد.
الشريعة الإسلامية مع كل جهد بشري يبذل لبناء المجتعات وتنظيم شؤون الناس وتصريف مصالحهم وتشجيع طموحاتهم ويحقق آمال أجيالهم، الشريعة الإسلامية لا تبخس جهود الآخرين ومهاراتهم وارتقائهم في بناء مجتمعاتهم، وليست هي ناسخة - كما يظن البعض - لإبداعاتهم ومهاراتهم الحضارية بل الشريعة الإسلامية تشجع الآخر وتبارك جهود الآخر وتتعاون مع الآخر في كل عمل يحقق الخير والأمن والأمان والسلام للمجتمعات، الشريعة الإسلامية تدعو إلى عمل بشري جماعي للنهوض معاً بمهمة التكليف الرباني المشترك لعمارة الأرض بل لعمارة الكون وإقامة حياة إنسانية كريمة راشدة.
الشريعة الإسلامية ترفض وتنكر الإساءة إلى الآخر وانتهاك حرمة الآخر والعزلة عن الآخر، الشريعة الإسلامية ترفض وصف المجتمعات المسلمة والدول المسلمة بأنها مجتمعات ودول (جاهلية) فهذه عبارة جانحة لا تستند إلى سند شرعي وتفتقر إلى العدل والإنصاف والحكمة، وتنتهك قيم الإسلام وأخلاقه ومقاصد رسالته السمحة في التعامل بين الحاكم والمحكوم، لأن مجتمعاتنا مجتمعات مؤمنة مسلمة والقائمون على أمور دولنا مؤمنون مسلمون، والخلل في السلوكيات والانحراف في الأداء الإداري والفساد في المعاملات بكل تأكيد خطايا يرفضها الإسلام ويمقتها، ولكنه لا تخرج صاحبها من ملة الإسلام ليوصف المجتمع من بعد بأنه (مجتمع جاهلي) فعبارة (جاهلي وجاهلية) تسقط شرعية المجتمعات وتلغي سيادتها وحرمتها، وهذا ما يستند عليه بعض الأفراد والتنظيمات في تشريع فقه الخروج على الحكام والدول ومحاربتها وتغييرها بالقوة، ويجعلون ذلك واجباً شرعياً بل هومن مقتضيات صحة الإيمان والاعتقاد والولاء والبراء، وهذا هو مصدر ظاهرة الفوضى والعنف والاقتتال والترويع والتدمير الذي يمارس باسم الله نصرة للإسلام إعزازاً لمكانة المسلمين. نعم الإسلام يمقت الظلم ويحارب الفساد ولكن بقيمه وآلياته وضوابطه ووسائله المعروفة والمحددة من قبل أهل العلم والدراية، وليس الأمر متروكاً للأهواء والنزوات والمبررات الفكرية والنزاعات السياسية بحال من الأحوال.
آتمنـﮯ آن ينآل آـ؏ـجآبڪم